الثانوي التاهيلي

التحولات الفكرية والعلمية والفنية الحركة الإنسية

الجذع المشترك علومالاجتماعياتالتحولات الفكرية والعلمية والفنية الحركة الإنسية

       شهد القرنان الخامس عشر والسادس عشر تحولات جوهرية في المجالات الفكرية، والعلمية، والفنية، مما أسهم في انبثاق ما يعرف بالحركة الإنسية. إذًا، ما هي الحركة الإنسية وخصائصها؟ وما هي الظروف التي مهدت لظهورها وطرق انتشارها؟

عرفت إيطاليا تطورات هامة في مختلف الميادين الفكرية والعلمية والدينية لعدة أسباب، منها:

  • الموقع الإستراتيجي: بفضل موقعها في وسط حوض البحر المتوسط، كانت إيطاليا حلقة وصل بين آسيا وأوروبا الغربية، مما أسهم في ازدهار مدنها التجارية المستقلة مثل فلورانسا، جنوة، والبندقية. كما أن قربها من العالم الإسلامي ساعد على انتقال العديد من مظاهر الحضارة الإسلامية إلى أوروبا.
  • تدفق العلماء بعد سقوط القسطنطينية: بعدما استولى العثمانيون على القسطنطينية، انتقل عدد من العلماء ومعهم العديد من المخطوطات الإغريقية إلى المدن الإيطالية، ما أثار اهتمام الإيطاليين بالجوانب الفنية والعلمية للحضارات اليونانية والرومانية.
  • ازدهار التجارة والصناعة: كانت المدن الإيطالية مركزًا للتجارة والصناعة، ما أدى إلى تراكم الثروات وظهور أسر غنية ومؤسسات بنكية، الأمر الذي أسهم في تنشيط الحياة الثقافية والفنية.
  • دور الكنيسة: سعت الكنيسة الكاثوليكية لجعل روما مركزًا عالميًا للمسيحية، مما زاد من التوجهات الفكرية والعلمية والدينية في إيطاليا، ثم انتشرت هذه التحولات إلى دول أوروبية أخرى كإسبانيا، فرنسا، إنجلترا، وألمانيا.

      ظهرت الحركة الإنسية كمحاولة لإعادة إحياء التراث الإغريقي واللاتيني، حيث ساهمت في بناء النهضة الأوروبية من خلال فلسفة تركز على تمجيد العقل البشري وقوة الإنسان، منتقدةً بذلك سيطرة الكنيسة الكاثوليكية. اهتم رواد الحركة الإنسية بإعادة نشر أعمال الفلاسفة القدماء مثل سقراط وشيشرون، وقاموا بترجمة النصوص الكلاسيكية إلى اللاتينية، حيث أصبحت دراسة اللغات ركنًا أساسيًا في الثقافة الإنسية. وكان الفيلسوف إيرازم من أبرز قادة الحركة، فقد عمل على نشر أفكارها عبر رحلاته إلى مدن أوروبية عدة مثل باريس، أكسفورد، والبندقية، مما أسهم في توسيع تأثيرها.

     ساهم اختراع الطباعة على يد يوهان غوتنبرغ عام 1455م في انتشار أفكار الحركة الإنسية، حيث أصبحت الكتب متاحة بأسعار أقل مقارنة بالسابق، ولم تعد مقتصرة على الأثرياء فقط. وهذا أدى إلى انتشار التحولات الفكرية عبر أوروبا الغربية، حيث لاقت الحركة دعمًا من بعض الملوك كفرانسوا الأول ملك فرنسا الذي شجع أفكارها.

     ساهم انتشار الطباعة في زيادة المعرفة، ما أسهم في تطوير اللغات الوطنية وطباعة الكتب بلغات مختلفة غير اللاتينية، مثل اللغة الفرنسية التي كتب بها مونتانيه مؤلفه “المحاولات”، والألمانية التي تُرجم إليها الإنجيل بواسطة لوثر، والإسبانية التي كتب بها سرفانتس رواية “دون كيشوت”. كما ظهرت محاولات لوضع قواعد للغات وتنظيم طرق التعليم، وبرزت أنواع من الكتابات التي تركز على الترفيه والتسلية. كذلك اهتم رواد النهضة بالعلوم وطرق التدريس، مما أسهم في تطوير المعرفة عبر أوروبا.

     تميزت هذه الفترة بتطوير مناهج العلوم التي أصبحت تعتمد على التجربة والمنطق، ما أدى إلى ظهور أسس الفكر العلمي الحديث. وتطبيقًا لذلك، اتخذت الرياضيات مكانة خاصة عبر التجريب، وظهرت تحولات كبيرة في علوم الفلك مثل نظرية بطليموس التي أكدت على ثبات الأرض في مركز الكون، ونظرية كوبرنيكوس التي أكدت أن الشمس هي مركز المجموعة الشمسية، وأن الأرض تدور حولها. وطرأ تقدم ملحوظ في علوم الطب والتشريح، رغم معارضة الكنيسة، حيث تم إصدار كتب طبية وإنشاء كليات متخصصة.

      انطلقت النهضة الفنية من إيطاليا وانتشرت إلى باقي المدن الأوروبية. ومن أبرز فناني هذه الفترة ليوناردو دافينشي، الذي اهتم بإظهار الأبعاد الثلاثة في رسوماته من خلال استخدام تقنيات العمق والظل والضوء، وركز الفنانون في رسوماتهم على الإنسان وإظهار نواحيه الجمالية.

     اعتمد النحاتون على تقليد الفن الإغريقي والروماني، مع التركيز على إبراز عضلات وقوة الإنسان. ومن أهم النحاتين في تلك الفترة مايكل أنجلو ودوناتيلو.

      تميزت الهندسة المعمارية بتوازنها وتطابق عناصرها واعتمادها على المقاييس المضبوطة، مما أدى إلى توسع العمران الأفقي وتحقيق التناغم في التصميم.

      أسهمت الحركة الإنسية في توجيه التحولات الفكرية والعلمية والفنية التي شهدها القرن الخامس عشر والسادس عشر، مما مهد لظهور تحولات أخرى في المجالات الدينية، السياسية، والاجتماعية، وشكلت بذلك أساسًا لانطلاقة النهضة الأوروبية.

لتحميل درس التحولات الفكرية والعلمية والفنية الحركة الإنسية الجذع المشترك علوم اضغط على الرابط في الأسفل:

زر الذهاب إلى الأعلى