الثانوي التاهيلي

رثاء وتذكر – الشعر العربي القديم والتعبير عن الذات والجماعة

الأولى باكلوريا آداب وعلوم إنسانيةاللغة العربيةالشعر العربي القديم والتعبير عن الذات والجماعة – رثاء وتذكر

      تميز العصر الأموي بظهور صراعات سياسية على إثر سقوط الخلافة الراشدة بعد مقتل علي بن أبي طالب كرم الله وجهه، وتفرق المسلمون حول من يتولى أمر تسيير شؤون الدولة. حيث ظهرت تيارات مذهبية وحزبية رئيسية:

  • التيار الأول: يرى أن علي بن أبي طالب أحق بالخلافة باعتباره من آل البيت.
  • التيار الثاني: يدعم معاوية بن أبي سفيان وأتباع بني أمية بحجة اتباع أهل السنة والجماعة.
  • التيار الثالث: يرفض التيارين السابقين، وهو التيار المعروف بالخوارج.

      وقد تأثر الإبداع الشعري في ذلك العصر بهذه المذاهب السياسية، حيث أصبح الشعراء ناطقين باسم التيارات التي يناصرونها. ومن أشهر شعراء العصر الأموي: الأخطل، جرير، الفرزدق، جميل بن معمر.

      هو مالك بن الريب التميمي، نشأ في بادية بني تميم بالبصرة، وهو من شعراء الإسلام. اشتهر في أوائل العصر الأموي ولم يشتهر من شعره إلا قصيدته التي يرثي فيها نفسه وبعض المقاطع الشعرية في الوصف والحماسة. عرف بشجاعته وفروسيته، حيث كان شاباً فاتكاً يستغل قوته في قطع الطريق. ولكن بعد لقاءه بسعيد بن عثمان بن عفان، تحوّل إلى الجهاد في سبيل الله. وفي طريق عودته بعد إحدى المعارك، تعرض للسعة أفعى أدت إلى وفاته، فكتب قصيدته المعروفة بـ “بكائية مالك بن الريب”، وتوفي سنة (60 هـ/ 680 م) في مرو.

  • على المستوى التركيبي: يتكون العنوان من مركب اسمي مكون من “رثاء” و “تذكر”، وبينهما حرف العطف “و”. يعكس العنوان دلالات الحزن والتذكر المرتبطين ببعضهما البعض.
  • على المستوى الدلالي: “رثاء” يعني البكاء على الميت وذكر محاسنه، بينما “التذكر” يعني استرجاع اللحظات الماضية. العلاقة بين الرثاء والتذكر هي علاقة شرطية حيث يؤدي أحدهما إلى الآخر.

     بالنظر إلى شكل النص القائم على نظام الشطرين ووحدة الروي، يمكن افتراض أن النص قصيدة عمودية تقليدية موضوعها البكاء على النفس وتذكر الماضي.

  • الوحدة الأولى (من البيت 1 إلى البيت 5): رثاء الشاعر لنفسه وهو يحتضر بعيداً عن أهله ووطنه.
  • الوحدة الثانية (من البيت 6 إلى البيت 9): يصف التحولات التي طرأت على شخصيته، من حياة الصعلكة إلى الجهاد.
  • الوحدة الثالثة (من البيت 10 إلى آخر القصيدة): وصايا الشاعر لصاحبيه عند لحظة احتضاره.

حقل الرثاء: تراءت، منيتي، دنا الموت، الأكفان، استل روحي، مضجعي، خطا.
حقل التذكر: ليت شعري، بجنب الغضى، الهوى، بعت الضلالة، تذكرت، السيف، الرمح.

العلاقة بين الحقلين: علاقة تكامل وترابط، حيث يرتبط الرثاء بالتذكر، ويولد كل منهما الآخر بشكل شرطي.

الصورة الفنية: استخدم الشاعر الاستعارة المكنية:

  • البيت الثاني: “ليت الغضى ماشى الركاب” وهي استعارة مكنية.
  • البيت التاسع: “سوى السيف والرمح الرديني باكيا” وهي استعارة مكنية.

الطباق: استخدم الشاعر الطباق بين الكلمات المتناقضة مثل “الضلالة” و”الهدى”، و”رحلي” و”مقيم”.

الاقتباس: اقتبس الشاعر من القرآن الكريم في قوله: “ألم ترني بعت الضلالة بالهدى” مستلهماً الآية الكريمة: “أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى”.

الإيقاع الخارجي: القصيدة نظمت على البحر الطويل (فعولن مفاعيلن فعولن مفاعيلن)، وتميزت بوحدة الروي (الياء).

الإيقاع الداخلي: يعتمد الإيقاع الداخلي على التكرار والتوازي، مثل تكرار حرف الياء والمد الذي يغني النص موسيقياً ودلالياً. كما تتكرر الصيغ الصرفية مثل أسماء الفاعل: “ساقيا، نائيا، غازيا، باكيا”.

الأساليب: زاوج الشاعر بين الأسلوب الخبري والأسلوب الإنشائي. الأسلوب الخبري يُستخدم لنقل الأخبار، بينما الإنشائي المهيمن يعبر عن انفعالات الشاعر ومشاعره.

        قصيدة “رثاء وتذكر” هي قصيدة عمودية تقليدية موضوعها رثاء النفس، وهو نوع شعري غير مألوف، حيث يرثي الشاعر نفسه بدلاً من الآخرين. النص يعبر عن الشوق والاحتضار، ويبرز من خلال حقلين دلاليين متكاملين: الرثاء والتذكر. اعتمد الشاعر على الاستعارات والاقتباس من القرآن والطباق، مما أضفى طابعاً جمالياً وإيقاعياً على النص، وزاد من تأثيره العاطفي والإنساني.

لتحميل درس الشعر العربي القديم والتعبير عن الذات والجماعة – رثاء وتذكر الأولى باكلوريا آداب وعلوم إنسانية اضغط على الرابط في الأسفل:

زر الذهاب إلى الأعلى