الثانوي التاهيلي

تحليل نص باب المدينة ليوسف القعيد

الجذع المشترك آداب وعلوم إنسانيةاللغة العربيةتحليل نص باب المدينة ليوسف القعيد

        تحمل الأزمنة والأماكن الكثير من المآسي والتحديات التي تُنشئ أجيالًا من المعذبين، وتكون قصصهم مادة غنية للأدب الروائي. بداية السبعينيات من القرن الماضي شهدت تحولات اجتماعية وسياسية كبرى أدخلت المجتمعات العربية في سلسلة من الثورات والانتكاسات التي سرقت من الناس طموحاتهم في العيش بسلام وأمان ووفرة، وملأت أيامهم بالخوف والجوع والقمع والسجون وعدم الاستقرار. في ظل هذه الظروف، يصبح الأدب وسيلة مهمة للتعبير عن الألم وكشف الظلم من خلال وصف الواقع المعتم، وتصوير الظلام الذي يلف المكان والشخصيات، ويصبغ الزمن بطابع قاتم.

يسعى يوسف القعيد، في قصته “باب المدينة” من مجموعته “قصص من بلاد الفقراء”، إلى تصوير جروح عميقة في روح مصر وضميرها، مشددًا على بناء وعي جديد للفقراء من خلال تصوير الواقع المؤلم وتفجيره. يوسف القعيد هو كاتب مصري من جيل الستينيات، تأثر بأعمال نجيب محفوظ ويوسف إدريس، وسعى إلى تطوير السرد الأدبي العربي.

        يبدأ النص (باب المدينة ليوسف القعيد) بحدث بسيط يتمثل في وقوف الشخصية على باب المدينة، مما يحدد الزمان والمكان. ومن ثمّ يتوسع الوصف ليغمر هذا الحدث وتداعياته، مع استمرار المرأة في الوقوف على باب المدينة بانتظار التفتيش الذاتي. منذ البداية، يظهر السارد ملمًّا بتفاصيل الموصوفات، ويكشف عن عمق رؤيته رغم استخدام ضمير الغائب، لتقديم شخصية يغلب عليها الحزن والاستسلام، تسعى للخروج من وضع مزرٍ وحالة مهينة، لكن المدينة لا تفتح أبوابها إلا بعد التفتيش الدقيق. القائمون على التفتيش لا يهتمون بالمنتظرين ولا بمرور الوقت، مما يجعل القصة تركز على تحليل الذات والبحث عن صيغة جمالية تعبر عن التشققات النفسية التي تطغى على الشخصية وتجعل فضاءها معتمًا ومليئًا بالعذاب.

        يتشكل النص من وحدات سردية ومقاطع وصفية تدور حول موضوع اجتماعي يعكس مرارة الحياة في ظل الهجرة من القرية المحطمة إلى المدينة المغلقة والمليئة بالحذر والمراقبة والتفتيش. يتم تصوير معاناة امرأة وطفلها اللذين يبحثان عن ملاذ آمن، بعد سجن المعيل ومصادرة الحياة في قريتهما. انتظار المرأة عند باب المدينة يُمثل انعطافًا إلى درب مجهول ومأساة مستمرة، ورغم اليأس يظل هناك خيط ضعيف من الأمل يتمسك بالحياة.

أبرز الوحدات السردية والوصفية تشمل:

  • وصول الفلاحة القروية إلى المدينة مع طفلها، ووقوفها عند الباب الضخم طالبةً الإذن بالدخول.
  • وصف باب المدينة وسورها وحراسها بطريقة تطبع الفضاء بالعدائية.
  • حوار الحارس مع المرأة حول أوراقها ومكان قدومها وأسباب هجرتها، وتعابير المرأة المليئة بالإحباط.
  • تفاعل العسكري مع هموم المرأة، وتعاطفه الخفي الذي يتعارض مع قوانين التفتيش الصارمة.
  • وصف الطفل النائم وحلم المرأة بإطعامه.
  • قبول المرأة للتفتيش الذاتي تجنبًا للانتظار الطويل.
  • تزايد حزن المرأة خارج الباب، وزيادة صرامة العسكري.

         النص (باب المدينة ليوسف القعيد) يميل نحو الوصف، ويركز على الجوانب المادية والنفسية والاجتماعية، حيث يتم وصف الشخصيات والأماكن بطريقة تكشف عن معاناة الشخصيات وهمومها. يُستخدم الوصف النفسي لتعميق الشخصيات وإظهار شعورهن باليأس والتشظي، بينما يعكس الجانب الاجتماعي انعدام الاستقرار والبؤس. السارد يظهر ملمًّا بخبايا الشخصيات، مما يدل على تدخله وتعاطفه مع الفقراء وانتقاده للأوضاع.

         هيمنة حاسة البصر على الوصف تعكس الطبيعة البصرية للمشهد، كما يعمق التحليل النفسي دواخل الشخصيات، ويعبر عن أزماتهن. يسير الوصف بالتزامن مع الحدث، مما يضفي على النص بُعدين متكاملين: أفقي يتشكل من حركة الأحداث، وعمودي يتمثل في التحليلات الوصفية المكثفة.

      السارد يتميز بمعرفة تفاصيل دقيقة عن الشخصيات، مما يجعل الوصف شخصيًّا يعكس تعاطفًا واضحًا مع الفقراء، ونفورًا من الأوضاع السائدة.

      يتنوع معجم النص بين العمران والطبيعة والمجتمع والحالات النفسية، مما يمنح النص دلالات غنية تعكس معاناة الفقر والحرمان. يتم استخدام الأفعال المضارعة لإبقاء المشهد حيًّا، ويجمع النص بين لغتي الوصف التقريرية والإيحائية، مما يعزز من التأثير الجمالي للنص.

       باب المدينة ليوسف القعيد نص وصفي متنوع الأبعاد، يبرز المشاكل الاجتماعية والسياسية التي عاشتها المجتمعات العربية بعد الحقبة الاستعمارية، مثل الفقر والاستبداد. أدبيًا، يُعتبر النص نموذجًا لخطاب سردي عربي ناضج يجمع بين العمق والدلالة، ويعبر بشكل مؤثر عن واقع معقد ومأزق حضاري يتطلب التفكر والتحليل.

لتحميل درس تحليل نص باب المدينة ليوسف القعيد الجذع المشترك آداب وعلوم إنسانية اضغط على الرابط في الأسفل:

زر الذهاب إلى الأعلى