الثانوي التاهيلي

تحليل قصيدة لي في من مضى مثل لمحمود سامي البارودي

الثانية باكالوريا علوم إنسانيةاللغة العربيةتحليل قصيدة لي في من مضى مثل لمحمود سامي البارودي

         تُعدُّ إشكالية القراءة في سياق النهضة الأدبية العربية التي أعقبت حملة نابليون على مصر (1798) من أبرز القضايا الأدبية التي تناولها نقّاد الأدب العربي الحديث. ففي تلك الفترة، ظهر التيار الإحيائي كرد فعل على حالة الانحطاط التي سيطرت على الحياة العربية بشكل عام، وانعكست بشكل خاص على الأدب والشعر. ومع تدهور الشعر العربي في تلك الفترة وتغلغل التكلف والتصنيع في اللغة الشعرية، بات الشعر صورة للانحطاط وجمود الحياة الأدبية.

      حاول بعض الشعراء من أمثال حسن العطار وعبد الله فكري كسر الجمود الذي سيطر على الشعر آنذاك. ورغم تلك المحاولات إلا أنها ظلت محتشمة وغير قادرة على إحداث تغيير جوهري في مسار الشعر العربي.

        في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، جاء جيل جديد من الشعراء أمثال أحمد شوقي، حافظ إبراهيم ومحمود سامي البارودي، الذي يُعتبر من أبرز أعلام حركة إحياء النموذج. تأثر هؤلاء الشعراء بالتراث الشعري العربي القديم، وسعوا إلى إحياء النموذج الشعري العباسي والأندلسي الزاهر، محاولين استعادة الجمالية الفنية والقيم الثقافية التي ميّزت الشعر العربي القديم. كان هدفهم تجاوز الأزمة التي ورثوها من عصر الانحطاط، والعودة إلى جذور الشعر العربي الأصيل.

      محمود سامي البارودي، الذي يعتبره النقاد الأب الروحي لحركة الإحياء، لعب دورًا محوريًا في بعث القصيدة العربية بأصولها الفنية. ثقافته العربية الأصيلة وتكوينه الأكاديمي، إلى جانب مكانته العسكرية ونشاطه السياسي، ساهمت في تشكيل شعره وإعادة توجيهه نحو تقليد الموضوعات الشعرية القديمة مثل الفروسية والحماسة. لكنّ تجربته الشعرية، رغم جودتها الفنية، لم تكن تجديدًا في بنيتها بل بعثًا وتكرارًا لتقاليد الشعر العربي القديم.

       في قصيدة لي في من مضى مثل، يعترف البارودي بتأثره بالشعراء الجاهليين وتبنيه لنموذجهم في صياغة الشعر. القصيدة تتناول مواضيع مثل الغزل، الفروسية، الصيد، والحكمة، وكلها تنبثق من سياق شعري قديم، مرتبط بنماذج شعرية كانت قائمة في التراث العربي.

        من حيث الشكل، اعتمد البارودي في هذه القصيدة على نظام الشطرين المتناظرين، وهو أسلوب شاع في القصائد التقليدية، وأثبت من خلاله ارتباطه بالقصيدة العمودية. واستخدم بحر البسيط، وهو بحر شعري يُناسب أغراض الفخر والوصف بفضل إيقاعه القوي.

تركز قصيدة “لي في من مضى مثل” على معجمين رئيسيين:

  • معجم الفروسية (مثل: “مقدام”، “سيف”، “حوافر”).
  • معجم الوصف والحكمة (مثل: “أشقر”، “زرق حوافره”، “في خلقه ميل”).

المعجم المستخدم يعكس القيم الثقافية والاجتماعية المتوارثة، حيث الفروسية والحكمة تعد من رموز البطولة والنبل في المجتمع العربي القديم.

      تعتمد قصيدة “لي في من مضى مثل” على التشبيه والاستعارة بشكل رئيسي. ففي البيت الثامن مثلًا، يشبه الشاعر لون الفرس بنهر الصبح وضوحًا ونقاءً. بينما في البيت الثالث عشر، يُشبه سرعة السيف بمرور البرق أو شعلة تذروها الرياح، وهو تشبيه تقليدي لكنه يعكس قدرة الشاعر على استخدام الخيال الحسي الذي كان سائدًا في الشعر العربي القديم.

      القصيدة من بحر البسيط، الذي يعد من البحور المفضلة لدى شعراء الفخر والوصف. استخدام التصريع وتوحيد القافية وحرف الروي (اللام المضمومة) يمنح القصيدة قوة إيقاعية تلائم غرض الفخر.

      تتدرج قصيدة “لي في من مضى مثل” من وصف مشاعر الشاعر تجاه الحب والحنين إلى شبابه، إلى مدح قوته وفروسيته، ثم تختتم بالحكمة التي تشكل انعكاسًا لتجارب الحياة. هذا التدرج يعكس مسارًا زمنيًا لحياة الشاعر منذ شبابه وحتى شيخوخته.

      تُظهر هذه القصيدة بشكل واضح التزام الشاعر بإحياء النموذج الشعري العربي القديم، سواء في مضامينها أو شكلها الفني. إذ يعيد إحياء القيم الثقافية الموروثة مثل الفروسية والشجاعة، مع محافظته على الخصائص الفنية للقصيدة العمودية التقليدية من حيث الوزن والقافية والصور الشعرية.

      ورغم أن البارودي لم يُحقق تجديدًا في شكل قصيدة “لي في من مضى مثل” أو مضمونها بالمعايير الحديثة، إلا أن قصائده شكلت جسرا قويا بين الماضي والحاضر، وأحيت الروح العربية الشعرية في زمن كانت فيه في حاجة إلى ذلك.

       أظهر السعيد الورقي أن البارودي نجح في استلهام الإطار الفني للقصيدة العربية التقليدية، لكنه لم يُحدث تطورًا كبيرًا في بنية القصيدة أو مضامينها. تجلت قدراته اللغوية في استعادة القوالب الشعرية القديمة، لكن الصور البيانية في شعره بقيت زخرفية إلى حد كبير، تُستمد من الذاكرة الشعرية ولا ترتبط بالضرورة بأحاسيس الشاعر الشخصية.

       في النهاية، يبقى شعر البارودي علامة فارقة في حركة الإحياء العربي، ورغم أنه لم يقدم جديدًا يُذكر من حيث الشكل أو المضمون، إلا أنه استطاع الحفاظ على القصيدة العربية التقليدية وإعادة بعثها في عصر كانت فيه بأمسّ الحاجة إلى ذلك.

لتحميل درس تحليل قصيدة لي في من مضى مثل لمحمود سامي البارودي للسنة الثانية باكالوريا علوم إنسانية اضغط على الرابط في الأسفل:

زر الذهاب إلى الأعلى