المراحل الكبرى لبناء الدولة المغربية الحديثة

المراحل الكبرى لبناء الدولة المغربية الحديثة |
المراحل الكبرى لبناء الدولة المغربية الحديثة
المراحل الكبرى لبناء الدولة المغربية الحديثة
تقديم إشكالي
بعد حصول المغرب على استقلاله سنة 1956م، اتجهت الدولة المغربية نحو هدف استراتيجي يتمثل في بناء مؤسسات الدولة الحديثة، وتحديث مختلف القطاعات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وفق رؤية تنموية شاملة. وقد مرت هذه العملية بعدة مراحل متتالية، تميزت كل منها بإجراءات وإصلاحات عميقة.
فما هي المراحل الأساسية التي مر بها المغرب في بناء دولته الحديثة؟
وما هي التدابير التي اعتمدها لتحقيق ذلك؟
مرحلتا بناء الدولة الوطنية وإرساء النظام الديمقراطي
المرحلة الأولى: بناء الدولة الوطنية (1956 – 1962)
تمثل هذه المرحلة البداية الفعلية لبناء الدولة المغربية الحديثة بعد الاستقلال، وقد شهدت إصلاحات كبرى مست مختلف ميادين الحياة، من بينها:
- في الميدان السياسي: تم تشكيل أول حكومة مغربية وطنية تتولى تسيير شؤون البلاد.
- في الميدان الإداري: تم تقسيم البلاد إلى عمالات وأقاليم، كخطوة نحو تنظيم إداري حديث.
- في الميدان القضائي: عرفت هذه المرحلة إلغاء المحاكم المخزنية، وتأسيس محاكم عصرية، مع إنشاء مجلس أعلى للقضاء وتوحيد النظام القضائي على المستوى الوطني.
- في الميدان العسكري: تم تأسيس القوات المسلحة الملكية بهدف الدفاع عن السيادة الوطنية وحماية وحدة البلاد.
- في الميدان الاقتصادي: تم إنشاء وزارة الاقتصاد والمالية، وتطبيق نظام جمركي جديد، وتأميم بنك المغرب، وإصدار العملة الوطنية (الدرهم).
- في الميدان التشريعي: صدر عدد من القوانين المنظمة للحياة العامة، أبرزها مدونة الأحوال الشخصية، القانون الجنائي، قانون الشغل، والنظام الأساسي للوظيفة العمومية، إضافة إلى قانون الحريات العامة.
المرحلة الثانية: إرساء النظام الديمقراطي والبناء الاقتصادي والاجتماعي (1962 – 1998)
شهدت هذه المرحلة تطورات سياسية واقتصادية ومؤسساتية مهمة، همّت بالأساس:
- إرساء البناء الدستوري: تم إصدار أول دستور للمملكة سنة 1962، ثم تلاه تعديله في سنوات 1970 و1972 و1996، وهو ما رسخ البنية الدستورية للمؤسسات الوطنية.
- تكريس السيادة الوطنية: من خلال جلاء القوات الأجنبية عن التراب الوطني واستكمال الوحدة الترابية للمملكة.
- بناء اقتصاد وطني: تبنى المغرب خيار الاقتصاد الليبرالي، مصحوبًا بتدخل الدولة عبر مخططات تنموية ابتدأت منذ سنة 1960، وركزت على تطوير القطاعات الإنتاجية، خاصة الفلاحة. كما اتخذ قرار “مغربة الاقتصاد” سنة 1973 لتقوية الرأسمال الوطني الخاص. وعرفت هذه المرحلة كذلك انطلاق برنامج الإصلاح الهيكلي ابتداء من سنة 1983.
- تعزيز الديمقراطية المحلية: تم إصدار ظهير 30 شتنبر 1976 المتعلق بالتنظيم الجماعي، والذي منح للجماعات المحلية صفة وحدات ترابية ذات شخصية معنوية واستقلال مالي، وتم تنظيم مناظرات وطنية انطلاقا من 1977 للنهوض بالجماعات المحلية.
- الحوار الاجتماعي: تم اعتماد الحوار بين الدولة والفرقاء الاجتماعيين كآلية لتسوية الخلافات وتحقيق التوازن الاجتماعي.
تفعيل البناء الديمقراطي والاقتصادي وترسيخ دولة الحق والقانون
البناء الديمقراطي والاقتصادي (1975 – 1992)
- على المستوى الديمقراطي: تم تعزيز دور المجالس المحلية والإقليمية والجهوية، وتحويلها من مجرد مجالس استشارية إلى هيئات تقريرية بموجب ظهير 1976 المتعلق بالجماعات المحلية. كما تم تنظيم خمس مناظرات حول اللامركزية بهدف تطوير عمل هذه المجالس.
- على المستوى الاقتصادي: انطلق برنامج الإصلاح الهيكلي سنة 1983، وشمل إصلاح النظام الجبائي سنة 1984، وتحرير التجارة الخارجية، وإصدار قوانين جديدة لتنظيم الصادرات والاستثمار، بالإضافة إلى اعتماد سياسة الخوصصة، والعمل على تطوير البنيات الأساسية لجذب الاستثمار الوطني والأجنبي.
ترسيخ دولة الحق والقانون وبداية العهد الجديد (منذ 1998)
تميزت هذه المرحلة بانفتاح سياسي كبير وبمبادرات جديدة تعزز دولة القانون، من أبرزها:
- حكومة التناوب: سنة 1998، شهد المغرب انتقالا ديمقراطيا بارزًا تمثل في وصول المعارضة إلى الحكم في إطار حكومة التناوب بقيادة عبد الرحمن اليوسفي.
- ترسيخ دولة الحق والقانون:
- تم اعتماد مفهوم جديد للسلطة يركز على القرب من المواطنين وخدمتهم.
- إطلاق مجموعة من الإصلاحات المؤسسية، من بينها إحداث ديوان المظالم، إصلاح القضاء، وتأسيس المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية.
- كما شهدت هذه المرحلة إصلاحات تشريعية كبرى، مثل مدونة الشغل، مدونة التجارة، مدونة الأسرة، وقانون الصحافة.
- البعد الاجتماعي: تم إحداث مؤسسات اجتماعية ذات طابع تضامني، مثل مؤسسة محمد الخامس للتضامن، ومؤسسة محمد السادس للنهوض بالأعمال الاجتماعية لأسرة التعليم.
- حقوق الإنسان والعدالة الانتقالية: أنشئت هيئة الإنصاف والمصالحة لتسوية ملفات ماضي انتهاكات حقوق الإنسان، وهي سابقة في العالم العربي والإسلامي، شكلت خطوة بارزة في مسار المصالحة الوطنية.
خاتمة
قطع المغرب منذ الاستقلال إلى اليوم أشواطًا هامة في طريق بناء الدولة الحديثة، سواء من خلال بناء مؤسسات قوية، أو تكريس المبادئ الديمقراطية، أو تطوير الاقتصاد الوطني، ما جعله يرسخ مكانته على الصعيدين الإقليمي والدولي، ويواصل مسار الإصلاح والتحديث في مختلف المجالات.
تحميل درس المراحل الكبرى لبناء الدولة المغربية الحديثة
لتحميل درس المراحل الكبرى لبناء الدولة المغربية الحديثة للسنة الثالثة إعدادي اضغط على الرابط في الأسفل: