العولمة المفهوم الآليات والفاعلون (علوم اقتصادية)

الثانية باكالوريا علوم اقتصاديةالاجتماعياتالعولمة المفهوم الآليات والفاعلون

        تعتبر العولمة من أبرز الظواهر التي تؤثر في تنظيم وتدبير المجال العالمي في مختلف جوانبه الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية، وهي منذ التسعينيات تمثل واحدة من أهم القضايا العالمية، حيث تسعى لإعادة تشكيل العالم وفق أسس جديدة.

فما المقصود بالعولمة؟

وما هي جذورها التاريخية؟

وما أشكالها المختلفة؟

وما هي الآليات المتحكمة فيها؟

ومن هي القوى الفاعلة التي تساهم في تحقيقها؟

       العولمة لغةً تعني تعميم الشيء ليصبح عالميًا، بينما من الناحية الاصطلاحية، فهي تأخذ معاني متعددة تختلف حسب السياق والعلوم المعنية. ومع ذلك، فإن العولمة غالبًا ما تُشير إلى العمليات التي تؤدي إلى توسيع نطاق الأنشطة الإنسانية عبر العالم.

       يعود ظهور العولمة إلى فترات تاريخية قديمة، إذ يعتبر المؤرخون أن جذورها تعود إلى عصر النهضة الأوروبية، عندما بدأت تظهر المجتمعات القومية وتوسعت الأسواق الاقتصادية. خلال القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، تسارعت عملية العولمة نتيجة الثورتين الفلاحية والصناعية، مما ساهم في توسيع نطاق التبادل التجاري على المستوى العالمي. بعد الحرب العالمية الثانية، ازدادت العولمة انتشارًا بفعل عوامل مثل إنشاء مؤسسات دولية لتنظيم الاقتصاد العالمي، وتشكيل تجمعات اقتصادية إقليمية، وثورة تكنولوجية ثالثة.

العولمة ظاهرة متعددة الأبعاد ومتشابكة، وتأخذ أشكالًا ومظاهر مختلفة يمكن تقسيمها إلى:

      تتمثل في هيمنة النظام الرأسمالي على الاقتصاد العالمي، حيث تقوم على اقتصاد السوق، وحرية التجارة، والانفتاح على الأسواق العالمية. تشمل هذه العولمة تسهيل حركة السلع والخدمات ورؤوس الأموال، وانتشار الشركات متعددة الجنسيات، وهيمنة المؤسسات الاقتصادية الدولية على السياسات الاقتصادية للدول.

     تتجسد العولمة السياسية في انتشار الديمقراطية وتلاشي الأنظمة الشمولية، بالإضافة إلى التحولات التي شهدتها العلاقات الدولية بعد انهيار النظام الثنائي القطبية وصعود النظام العالمي الجديد بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية.

     تتجلى هذه العولمة في انتشار ثقافة العالم الرأسمالي وقيمه وعاداته، والتي تتمثل في الحرية الفردية والفلسفة البراغماتية. وقد أدى ذلك إلى تلاشي الخصوصيات الحضارية والترويج لثقافة كونية موحدة.

      ترتبط هذه العولمة بظهور الثورة التكنولوجية الثالثة، والتي ساهمت في تقليص المسافات الجغرافية وتحويل العالم إلى ما يشبه “قرية عالمية” من خلال التطورات الهائلة في وسائل الإعلام والاتصال، مما جعل التواصل وتبادل المعلومات أسرع وأسهل.

تعتمد العولمة على مجموعة من الآليات والميكانيزمات التي تساعد على تحقيق الاندماج في الاقتصاد العالمي، ويمكن تقسيم هذه الآليات إلى:

      تشمل هذه الآليات إجراءات تسهيل الاندماج في العولمة الاقتصادية، مثل تخفيض الرسوم الجمركية، وتحفيز الاستثمارات الأجنبية، وتشجيع المنافسة من خلال تبني معايير الجودة العالمية. كما تتضمن تحرير الأسواق وخوصصة القطاعات الإنتاجية، والتخلي عن سياسات التخطيط الموجه، واعتماد اقتصاد السوق، إلى جانب المفاوضات لتحرير التجارة العالمية.

تقوم هذه الآليات على أسس تكنولوجية تسهم في تعزيز العولمة، وتشمل:

هناك مجموعة من الفاعلين الأساسيين الذين يسهمون في دفع العولمة نحو الأمام:

      تلعب الدول دورًا مهمًا في عملية العولمة من خلال وضع سياسات محفزة للاستثمار، وتطوير البنية التحتية، وتوقيع اتفاقيات الشراكة لتخفيض الرسوم الجمركية. كما تسعى الدول إلى تعزيز الموارد البشرية، وتوفير أنظمة سياسية ديمقراطية، وتبني سياسات اقتصادية ملائمة لجذب الاستثمارات.

      تضم القوى الاقتصادية الكبرى الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي واليابان، بالإضافة إلى دول أخرى مثل كندا وأستراليا. تُعتبر هذه القوى الدافعة الرئيسية للعولمة، حيث تعمل على تعزيز مصالحها الاقتصادية، وتنسيق السياسات فيما بينها من خلال مجموعات مثل مجموعة الثمانية (G8) أو منتدى دافوس لمناقشة القضايا الاقتصادية.

     تُعد الشركات متعددة الجنسيات من أهم الفاعلين في مجال العولمة، حيث تساهم في نشر الأنشطة الاقتصادية عبر مختلف البلدان. تمتلك هذه الشركات نفوذًا اقتصاديًا كبيرًا، وتسعى إلى تعزيز حريتها في تحريك رؤوس الأموال والاستثمارات على المستوى العالمي.

     تشمل المؤسسات الاقتصادية الدولية المنظمة العالمية للتجارة (OMC)، والبنك الدولي (BM)، وصندوق النقد الدولي (FMI). تلعب هذه المؤسسات دورًا حاسمًا في تنفيذ العولمة من خلال وضع سياسات عامة للاقتصاد العالمي، وتحرير التجارة، ومراقبة الأوضاع الاقتصادية للدول.

     تعتبر المدن العالمية مثل نيويورك ولندن وباريس مراكز مالية رئيسية تؤثر على تدفق رؤوس الأموال عالميًا، وتحتضن مقرات العديد من الشركات متعددة الجنسيات، بالإضافة إلى البورصات العالمية.

       تضم هذه المنظمات حركات اجتماعية مناهضة للعولمة والغزو الثقافي، وتعمل على تعزيز العدالة الاجتماعية ومقاومة تأثيرات العولمة السلبية. من أبرز هذه المنظمات المنتدى الاجتماعي العالمي وحركة أطاك (ATTAC).

      تشكل العولمة ظاهرة متعددة الأبعاد وذات تأثيرات شاملة، سواء في المجالات الاقتصادية أو الاجتماعية أو الثقافية أو السياسية. وقد نشأت هذه الظاهرة نتيجة لتطورات تاريخية طويلة ساهمت في تشكيل عالم مترابط ومتداخل. ومع تنوع الآليات والقوى الفاعلة في تعزيز العولمة، يبقى تأثيرها محل نقاش واسع بين مؤيديها ومعارضيها، الذين يسعون لتحقيق العدالة الاجتماعية ومقاومة الآثار السلبية المرتبطة بها.

لتحميل درس العولمة المفهوم الآليات والفاعلون مادة الاجتماعيات ثانية باك علوم اقتصادية والتدبير المحاسباتي اضغط على الرابط في الأسفل:

Exit mobile version