الصين قوة اقتصادية صاعدة

الثانية باكالوريا آداب وعلوم إنسانية | الاجتماعيات | الصين قوة اقتصادية صاعدة |
الصين قوة اقتصادية صاعدة
الصين قوة اقتصادية صاعدة
تمهيد إشكالي
تُعد التجربة الاقتصادية الصينية نموذجًا حيًا للقوى الاقتصادية الصاعدة في العالم، حيث نجحت في تحقيق تقدم ملحوظ في مجالات متعددة، مما جعلها تنافس كبرى القوى الاقتصادية العالمية وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية. غير أن هذا النمو السريع لا يخلو من إكراهات، إذ لا تزال الصين تواجه تفاوتات مجالية واجتماعية بين مناطق الداخل والساحل.
فما هي مظاهر النمو الاقتصادي في الصين؟
وما العوامل التي ساهمت في تحقيقه؟
وما أبرز التحديات التي تواجه هذا الاقتصاد؟
مظاهر النمو الاقتصادي الصيني وبعض خصائصه
خصائص تطور الفلاحة والصناعة في الصين ومكانتهما العالمية
مظاهر وخصائص الإنتاج الفلاحي الصيني
يتميز القطاع الفلاحي في الصين بتنوع وغزارة إنتاجه، حيث تمكنت البلاد من تحقيق الاكتفاء الذاتي في أغلب المنتجات، بل وتصدير بعضها، كالشاي والحرير الطبيعي. ويمكن تلخيص أهم الخصائص فيما يلي:
- احتلال مراتب متقدمة عالميًا (ما بين المرتبة الأولى والسادسة) في العديد من المنتجات الفلاحية.
- تمركز النشاط الفلاحي أساسًا في الجهة الجنوبية الشرقية للبلاد.
- اعتماد كبير على زراعة الأرز، الذي يحتل مساحات شاسعة، بينما تنتشر زراعة الحبوب الأخرى كـالقمح في منشوريا.
- تربية الماشية تتمركز في الهضاب الغربية خاصة هضبة التبت، وتعد الصين من الدول الرائدة في إنتاج الخنازير، والأغنام، والأبقار، إضافة إلى الصيد البحري.
وتنقسم الصين إلى ثلاث مجالات فلاحية كبرى:
- مجال الحبوب في سهل منشوريا.
- مجال الأرز جنوب شرق البلاد.
- مجال تربية الماشية في المناطق الداخلية والغربية.
مظاهر تطور الصناعة الصينية وخصائصها
شهد القطاع الصناعي في الصين نموًا كمّيًا ونوعيًا واضحًا، تجلت مظاهره في:
- ارتفاع مساهمة الصناعة في الناتج الداخلي الخام من 44,3% سنة 1978 إلى 52,1% سنة 2004.
- اعتبار الصين رابع قوة صناعية في العالم، وتقديمها حوالي 7% من الإنتاج الصناعي العالمي.
- تفوقها في عدة صناعات عالمية بنسب متفاوتة (بين 4,9% و70%).
ويتركز النشاط الصناعي بالصين في الجهة الشرقية بفضل وفرة المواد الأولية، ومصادر الطاقة، وكثرة اليد العاملة، بالإضافة إلى التدخل الفعّال للدولة والاستثمارات الأجنبية.
مرت الصناعة بثلاث مراحل:
- قبل 1949: تأخر صناعي كبير.
- من 1949 إلى 1976: تطور الصناعات الثقيلة كالفولاذ.
- من الثمانينات فصاعدًا: ظهور صناعات حديثة وعالية التكنولوجيا.
عرفت بنية الصناعة الصينية تحوّلًا نوعيًا من الصناعات الأساسية (الحديد والصلب) والاستهلاكية (الغذائية والنسيج) نحو الصناعات العالية التقنية، كالإلكترونيات الدقيقة، والنووية، والفضائية.
وتحتل الصين مراتب متقدمة عالميًا في إنتاج عدد من الصناعات، كالفولاذ، وخيوط القطن، ولعب الأطفال، والأحذية.
التجارة الخارجية وتزايد مكانة الصين عالميا
تتعامل الصين تجاريًا مع معظم بلدان العالم، وعلى رأسها اليابان وكوريا الجنوبية والولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي. وتتميز التجارة الخارجية الصينية بما يلي:
- صادرات متنوعة، تشمل الآلات والمعدات الكهربائية بنسبة 46,2%، إضافة إلى مواد استهلاكية نصف مصنعة (42,6%).
- واردات متنوعة كذلك، من مواد كيماوية (11,8%)، ومواد أولية (10,6%)، ومصادر طاقة (9,71%).
- ارتفاع قيمة المبادلات التجارية؛ حيث ارتفعت من 660,2 مليار دولار إلى 762,3 مليار دولار، وحققت فائضًا تجاريًا بلغ 102,1 مليار دولار سنة 2005.
- تعدد الشركاء التجاريين، وتحتل هونغ كونغ المرتبة الأولى في الاستيراد من الصين (24%)، بينما تبقى اليابان أكبر مصدر إليها (23%).
العوامل المفسرة للنمو الاقتصادي في الصين
العوامل الطبيعية والبشرية
المؤهلات الطبيعية
تتميز الصين بتنوع تضاريسها ومناخها، حيث يمكن تقسيم البلاد إلى ثلاث وحدات كبرى:
- الصين الشمالية (الشرقية): تشمل سهل منشوريا والسهل الكبير، وتتميز بتربة غنية ومناخ معتدل إلى بارد.
- الصين الجنوبية (الشرقية): تضم تلالًا وسهولًا وهضابًا، وتخضع لمناخ مداري وشبه مداري.
- الغرب الصيني: يتميز بجبال شاهقة كجبال الهملايا، وهضاب مرتفعة كالتبت، ومناخ جبلي وصحراوي.
تتوفر الصين على شبكة مائية مهمة، تضم أنهارًا كبرى مثل نهر اليانغتسي ونهر هوانغ هو، أقيمت عليها سدود للتحكم في المياه.
لكن رغم هذا التنوع، فإن نسبة الأراضي الصالحة للزراعة لا تتجاوز 10,7% من المساحة الكلية، نظرًا للطبيعة الجبلية والجفاف والفيضانات.
الثروات الطبيعية
تتوفر الصين على احتياطيات هائلة من الفحم، والبترول، والغاز، والطاقة الكهربائية، إلى جانب معادن كـالحديد، والرصاص، والفوسفاط، مما يساهم في دعم الصناعة وتوفير الطاقة والعملات الأجنبية.
المؤهلات البشرية
يبلغ عدد سكان الصين حوالي 1,3 مليار نسمة، أي 21% من سكان العالم، وتصل نسبة الساكنة النشيطة إلى 71%، مما يوفر يدًا عاملة خبيرة ومؤهلة، ويُشكل سوقًا استهلاكيًا ضخمًا، خاصة في الجهة الشرقية المكتظة.
العوامل التنظيمية والتاريخية
مرحلة البناء الاشتراكي (1949 – 1976)
قادها ماوتسي تونغ، وتميزت بما يلي:
- سياسة التأميم: قُضي بها على الإقطاع والرأسمالية، وتم خلق التعاونيات الفلاحية والكومونات الشعبية.
- سياسة التخطيط المركزي: ركزت على الصناعات الأساسية والتجهيزية.
- القفزة الكبرى إلى الأمام: مشروع طموح هدفه تحقيق إقلاع اقتصادي شامل عبر تعبئة الموارد الوطنية.
- المشي على قدمين: بالتوازي بين تطوير القطاعين الفلاحي والصناعي.
مرحلة الانفتاح على اقتصاد السوق (منذ 1978)
أطلقها دينغ كسياوبينغ بعد وفاة ماوتسي تونغ، وتضمنت:
- تفكيك الكومونات وتحويلها إلى مستغلات عائلية.
- إنشاء مقاولات خاصة وجذب الاستثمارات الأجنبية.
- تحرير التجارة الخارجية، خاصة المنتجات الفلاحية.
- تشجيع الصناعات التصديرية وإحداث مناطق اقتصادية خاصة على الساحل الجنوبي الشرقي.
- الانضمام إلى صندوق النقد الدولي (1980) والمنظمة العالمية للتجارة (2001).
مكنت هذه الإصلاحات من تحويل الاقتصاد الصيني إلى اقتصاد سوق اشتراكي يجمع بين آليات السوق وتدخل الدولة.
العوامل العلمية والتقنية
- إدخال المكننة والوسائل التقنية الحديثة إلى الفلاحة.
- اعتماد نتائج البحث العلمي والتكنولوجيا الغربية لتحديث الفلاحة والصناعة.
- استقطاب رؤوس الأموال الأجنبية، ما ساهم في رفع جودة وتنافسية المنتوجات الصينية في الأسواق العالمية.
التحديات والمشاكل التي تواجه الاقتصاد الصيني
التحديات الاقتصادية
- القيود المفروضة على المنتجات الصينية من طرف الدول المتقدمة.
- ضعف جودة بعض المنتوجات الصناعية.
- استهلاك مرتفع للطاقة، واعتماد كبير على استيراد المواد الأولية من الخارج.
التفاوتات المجالية
- الواجهة الشرقية تشهد نشاطًا اقتصاديًا مكثفًا وكثافة سكانية مرتفعة.
- بالمقابل، تعاني المناطق الغربية من هشاشة البنية التحتية وقساوة الظروف الطبيعية، مع تباين واضح بين المدن والأرياف.
المشاكل الديموغرافية والاجتماعية
- ضخامـة عدد السكان تشكل ضغطًا كبيرًا على جهود التنمية، ما يجعل مؤشر التنمية البشرية متواضعًا رغم النمو الاقتصادي السريع.
الإكراهات الطبيعية والبيئية
- سيطرة التضاريس الجبلية على مساحة واسعة من البلاد.
- تكرار ظواهر الجفاف والفيضانات والأعاصير.
- تلوث الهواء والماء في المناطق الصناعية الكبرى، وانتشار الأمطار الحمضية.
خاتمة
حققت الصين نموًا اقتصاديًا لافتًا خلال العقود الأخيرة، ويتوقع أن يستمر هذا النمو، مما سيؤدي إلى تحسين أوضاع الأسر، وتقليص عدد الفقراء، وتعزيز مكانة الصين ضمن القوى الاقتصادية الكبرى.
شرح المصطلحات
- ماوتسي تونغ: أول رئيس لجمهورية الصين الشعبية، ومؤسس النظام الاشتراكي.
- دينغ كسياوبينغ: زعيم صيني قاد إصلاحات اقتصادية كبرى وانفتح على العالم الرأسمالي.
- المستغلات العائلية: ضيعات صغيرة تستغل من طرف الأسر الفلاحية بدل التعاونيات.
- مؤشر النمو الاقتصادي: يعبر عن نسبة الزيادة في الناتج الداخلي الخام خلال سنة معينة.
- اقتصاد السوق الاشتراكي: نظام يجمع بين تدخل الدولة وآليات السوق الحرة.
تحميل درس الصين قوة اقتصادية صاعدة
لتحميل درس الصين قوة اقتصادية صاعدة اضغط على الرابط في الأسفل: