ملف حول المقاومة المغربية

ملف حول المقاومة المغربية |
ملف حول المقاومة المغربية
ملف حول المقاومة المغربية
تقديم إشكالي
واجه المغاربة التوغل الاستعماري الفرنسي والإسباني قبل توقيع معاهدة الحماية سنة 1912، واستمرت المقاومة الوطنية بعد ذلك رغم تفاوت الإمكانيات بين المستعمِر والشعب المغربي. وقد مرت المقاومة بمرحلتين أساسيتين، تمثلت الأولى في المقاومة المسلحة من سنة 1912 إلى سنة 1934، ثم تلتها مرحلة المقاومة السياسية التي ركزت على المطالبة بالإصلاحات خلال ما بين الحربين، قبل أن تنتقل إلى المطالبة بالاستقلال انطلاقًا من سنة 1944. وقد أدى رفض فرنسا لتلك المطالب، ونفي السلطان محمد بن يوسف سنة 1953، إلى اندلاع مرحلة ثانية من المقاومة المسلحة السرية، انتهت بتحقيق الاستقلال سنة 1956.
المرحلة الأولى من المقاومة المسلحة (1912 – 1934): مقاومة الاستعمار في الجنوب والأطلس والريف
بعد توقيع السلطان مولاي عبد الحفيظ على معاهدة الحماية يوم 30 مارس 1912، واصلت فئات واسعة من المغاربة مقاومة التغلغل الاستعماري. ولمواجهة الوضع المتأزم، قامت السلطات الفرنسية بعزل السلطان يوم 13 غشت، ونصّبت أخاه مولاي يوسف سلطانا جديدًا في اليوم التالي، أي قبل دخول القائد أحمد الهيبة إلى مدينة مراكش في 18 غشت. وفي نفس السنة، حُدّدت مناطق النفوذ بين فرنسا وإسبانيا، واعتمد المستعمرون على أحدث وسائل القتال، مستعينين بجنود من المستعمرات وببعض القواد المغاربة المرتبطين بهم، ومع ذلك واجهتهم مقاومة عنيفة في الجنوب، والأطلس، والريف.
المقاومة في الجنوب
قاد أحمد الهيبة بن ماء العينين المُقاومة المسلحة بالجنوب، حيث أعلن الجهاد ضد الفرنسيين سنة 1912. فقد خضعت له منطقة سوس، وتمكن أخوه من السيطرة على أكادير وتارودانت، وسرعان ما بسط نفوذه على معظم الجنوب باستثناء الموانئ ومنطقة عبدة. وفي غشت من نفس السنة، دخل أحمد الهيبة مراكش، ثم توجه لملاقاة القوات الفرنسية في معركة سيدي بوعثمان يوم 7 شتنبر 1912، لكنه انهزم نظرًا لتفوق العتاد العسكري الفرنسي وقلة تجهيزات قواته. انسحب الهيبة إلى الجنوب واستمر في المقاومة حتى وفاته سنة 1919، ليواصل أخوه مربيه ربه الكفاح إلى حدود سنة 1934.
المقاومة في الأطلس المتوسط
شهد الأطلس مقاومة شديدة قادها موحا أوحمو الزياني، زعيم قبائل زيان. ورغم سقوط مدينة خنيفرة في يد الفرنسيين سنة 1914، إلا أن المقاومين شنّوا هجومًا مضادًا حققوا فيه نصرًا حاسمًا في معركة الهري خلال شهر نونبر 1914، والتي كبّدت الفرنسيين خسائر فادحة. ومع ذلك تمكن المستعمرون من استعادة السيطرة على المنطقة، فالتجأ الزياني وأتباعه إلى الجبال وواصلوا المقاومة إلى أن استُشهد القائد موحا أوحمو سنة 1921.
المقاومة في الريف
بدأت المقاومة الريفية بقيادة محمد أمزيان الذي استُشهد سنة 1912، فاستمر الكفاح بقيادة عبد الكريم الخطابي، القاضي والزعيم السياسي من بني ورياغل، الذي اعتبر تحرير الريف مرحلة أولى لتحرير المغرب كاملاً. حقق المقاومون عدة انتصارات أولية بجبل عريت وجبل إبران، لكن أبرز معركة كانت معركة أنوال في يوليوز 1921، حيث تكبد الجيش الإسباني بقيادة الجنرال سيلفستر هزيمة نكراء. وفي سنة 1924 لم تبق بيد إسبانيا سوى بعض المدن الساحلية مثل العرائش وأصيلا وسبتة ومليلية.
نظم الخطابي الإدارة بالمناطق المحررة، وفرض التجنيد الإجباري، ما دفع فرنسا للتدخل خوفًا على مصالحها، فتعاونت مع إسبانيا ضد الثورة الريفية. وبعد مقاومة شرسة من 1924 إلى 1926، اضطر الخطابي لتسليم نفسه تجنبًا لسفك دماء المسلمين، فنُفي إلى جزيرة لاريينيون لمدة عشرين سنة، ثم استقر بمصر حيث واصل النضال السياسي.
مع حلول سنة 1934، كانت القوات الاستعمارية قد أكملت احتلال باقي المناطق التي لم تكن خاضعة، مثل تافيلالت، وجبل صاغرو، ودرعة، والأطلس الكبير والصغير، والمناطق الصحراوية، لتبدأ بعد ذلك مرحلة جديدة من المقاومة، هذه المرة بأسلوب سياسي.
المرحلة الثانية: المقاومة السياسية والمطالبة بالإصلاحات (1934 – 1944)
ظهور الحركة الوطنية
نشأت الحركة الوطنية من شباب متعلم، تلقى تكوينه إما لدى شيوخ السلفية أو في المدارس الحديثة أو في الخارج. وقد استفاد هذا الجيل من تجربة المقاومة المسلحة وتبنّى الفكر القومي العربي الذي دعا إليه شكيب أرسلان. وكان لصدور “الظهير البربري” سنة 1930 أثر كبير في تحفيز الوعي الوطني، إذ اندلعت مظاهرات تطالب بإلغائه، وشكل ذلك الحدث انطلاقة فعلية للعمل السياسي المنظم.
ظهرت صحف وطنية مثل “المغرب الكبير” بباريس سنة 1932، و”عمل الشعب” بفاس سنة 1933، وأُطلق تقليد الاحتفال بعيد العرش يوم 18 نونبر لتقوية العلاقة بين السلطان والحركة الوطنية.
المطالبة بالإصلاحات
في سنة 1934، تأسس أول تنظيم سياسي باسم “كتلة العمل الوطني”، وقدمت مطالب إصلاحية تعتمد على ما تنص عليه معاهدة الحماية، من قبيل تشكيل حكومة مغربية بمساعدة هيئات منتخبة، على أن تقوم الحماية بدور المراقب لا الحاكم.
وبعد رفض هذه المطالب، جرى تقديم “المطالب المستعجلة للشعب المغربي”، فاشتد القمع، واعتُقل العديد من القادة الوطنيين، وحظرت الأنشطة الحزبية والصحفية.
وفي سنة 1937، انقسمت كتلة العمل الوطني إلى تنظيمين: “الحركة القومية” بزعامة محمد بن الحسن الوزاني، و”الحركة الوطنية لتحقيق الإصلاحات” بزعامة علال الفاسي (الحزب الوطني لاحقًا). كما تأسس حزبان آخران في منطقة النفوذ الإسباني: حزب الإصلاح الوطني بقيادة عبد الخالق الطريس، وحزب الوحدة المغربية بقيادة المكي الناصري. وقد اقتصرت برامج هذه الأحزاب على المطالبة بالإصلاحات دون المطالبة المباشرة بالاستقلال.
الانتقال من المطالبة بالإصلاحات إلى المطالبة بالاستقلال (1944 – 1953)
الاستفادة من الظرفية الدولية
استغلت الحركة الوطنية ظروف الحرب العالمية الثانية، ومنها: هزيمة فرنسا، وإنزال الحلفاء بالمغرب سنة 1942، وانعقاد مؤتمر أنفا سنة 1943 بين السلطان محمد الخامس وروزفلت وتشرشل. في هذا السياق، قُدمت “وثيقة المطالبة بالاستقلال” يوم 11 يناير 1944، فواجهت سلطات الحماية هذا الحدث بالاعتقال والقمع.
تم تغيير أسماء بعض التنظيمات، فالحزب الوطني أصبح “حزب الاستقلال”، وظهر “حزب الشورى والاستقلال” سنة 1946. كما نشط الحزب الشيوعي المغربي ودعا إلى الكفاح المسلح وتقرير المصير.
برز دور النقابات مثل “الاتحاد العام للنقابات المتحدة”، ونُفذ إضراب عمال الفوسفاط في اخريبكة سنة 1948.
أسس محمد بن عبد الكريم الخطابي “لجنة تحرير المغرب العربي” بالقاهرة، ونسق مع قادة حركات التحرر المغاربية. من جهته، عبّر السلطان عن موقفه الرافض للحماية، خلال زيارته لفرنسا سنة 1945، وخطابه الشهير بطنجة سنة 1947، حيث شدد على وحدة التراب المغربي وارتباط مستقبله بالإسلام والجامعة العربية.
ثورة الملك والشعب وتحقيق الاستقلال (1953 – 1956)
بعد فشل محاولات المستعمر لعزل السلطان عن الحركة الوطنية، استغلت السلطات الفرنسية مظاهرات 1952 التي خرجت احتجاجًا على اغتيال الزعيم التونسي فرحات حشاد، وارتكبت مجازر خاصة في الدار البيضاء (سقط فيها 16 ألف شهيد). ثم قامت بعزل السلطان محمد بن يوسف، ونفته مع أسرته يوم 20 غشت 1953 إلى كورسيكا، ثم إلى مدغشقر، ونصّبت محمد بن عرفة مكانه، وهو ما لم يقبله المغاربة.
بدأت بذلك المرحلة الثانية من المقاومة المسلحة، وشُكّل جيش التحرير، ونُفذت عمليات ضد السلطان المعيّن، والقواد المتعاونين مع الاستعمار، والمنشآت الاستعمارية.
دعم المغرب من طرف الجامعة العربية ودول عدم الانحياز، فطُرحت قضيته في الأمم المتحدة، وأُجبرت فرنسا على التفاوض في إيكس ليبان سنة 1955، ما أفضى إلى عودة السلطان في نفس السنة، وتوقيع اتفاقية الاستقلال مع فرنسا يوم 2 مارس 1956، ثم مع إسبانيا في أبريل، واسترجاع مدينة طنجة في أكتوبر.
واصل المغرب استكمال وحدته الترابية، فاستعاد طرفاية سنة 1958، وسيدي إفني سنة 1969، ثم الساقية الحمراء ووادي الذهب سنة 1975 عقب تنظيم المسيرة الخضراء، وظلت مدينتا سبتة ومليلية والجزر الجعفرية تحت الاحتلال الإسباني.
خاتمة
خاض الشعب المغربي مقاومة طويلة وصعبة ضد الاستعمار الفرنسي والإسباني، مرّت بمرحلتين أساسيتين: المقاومة المسلحة، ثم النضال السياسي، وأثمرت هذه التضحيات في النهاية استقلال المغرب، واسترجاع معظم أراضيه المغتصبة.
تحميل درس ملف حول المقاومة المغربية
لتحميل درس ملف حول المقاومة المغربية للسنة الثالثة إعدادي اضغط على الرابط في الأسفل: