الثانوي التاهيلي

المحاولة المصرية لإقامة دولة مستقلة وحديثة وعوامل إجهاضها

الأولى باكالوريا آداب
وعلوم إنسانية
الاجتماعياتالمحاولة المصرية لإقامة دولة مستقلة وحديثة وعوامل إجهاضها

       في النصف الأول من القرن 19م، بذل محمد علي جهودًا كبيرة لتحديث مصر وتحقيق استقلالها عن الدولة العثمانية، معتمدًا على إصلاحات شاملة في مختلف القطاعات. ورغم نجاحاته الأولية، إلا أن محاولته باءت بالفشل بسبب عدة عوامل داخلية وخارجية.

  • فما هي الظروف التي مكنت محمد علي من الوصول إلى الحكم؟
  • وما هي الإصلاحات التي قام بها لبناء دولة حديثة؟
  • وما العوامل التي أدت إلى فشل مشروعه؟

تعرضت مصر لحملة عسكرية فرنسية بقيادة نابليون بونابرت بين عامي 1798 و1801م، والتي كانت لها عدة أسباب، أبرزها:

  • التنافس الاستعماري الفرنسي-البريطاني: سعت فرنسا إلى السيطرة على طرق التجارة في شرق البحر المتوسط لمنافسة بريطانيا.
  • ضعف الدولة العثمانية: أدى التراجع العثماني إلى جعل مستعمراتها هدفًا سهلاً للقوى الأوروبية.
  • القضاء على دولة المماليك: كان المماليك يسيطرون على مصر وتحالفوا مع بريطانيا، مما دفع فرنسا إلى غزو البلاد لإضعاف النفوذ البريطاني في المنطقة.

نجح نابليون بونابرت في دخول القاهرة والقضاء على حكم المماليك، إلا أن الحملة الفرنسية واجهت صعوبات كبيرة، منها:

  • المقاومة الشعبية المصرية ضد الاحتلال الفرنسي.
  • تدخل بريطانيا التي دمرت الأسطول الفرنسي في معركة أبي قير البحرية سنة 1798م، مما قطع الإمدادات عن الجيش الفرنسي.
  • تدخل الدولة العثمانية التي حاولت استعادة مصر رغم ضعفها.

أمام هذه الضغوط، انسحبت القوات الفرنسية من مصر سنة 1801م، تاركة البلاد في حالة من الفوضى السياسية والصراع على السلطة.

   بعد جلاء الفرنسيين، نشب صراع على السلطة بين العثمانيين، الإنجليز، المماليك، والشعب المصري، وفي ظل هذه الفوضى، تمكن محمد علي، وهو قائد عسكري عثماني من أصول مقدونية، من كسب تأييد شيوخ الأزهر الذين طالبوا السلطان العثماني بتعيينه واليًا على مصر سنة 1805م.

  • أبرز العوامل التي ساعدته على الوصول إلى الحكم:
    • دعمه من طرف العلماء والأعيان المصريين.
    • تخلصه من المماليك نهائيًا في مذبحة القلعة سنة 1811م.
    • مواجهته للنفوذ البريطاني والعثماني بذكاء، وتعزيزه لسلطته تدريجيًا.

سعى محمد علي إلى بناء جيش قوي لحماية استقلال مصر وتوسيع نفوذه، فقام بـ:

  • تأسيس مدارس عسكرية حديثة لإعداد الضباط والجنود.
  • استقدام خبراء أوروبيين لتدريب الجيش المصري.
  • إرسال بعثات عسكرية إلى أوروبا لاكتساب المعرفة العسكرية الحديثة.
  • إنشاء مصانع الأسلحة لضمان الاكتفاء الذاتي في التسليح.
  • تطوير الأسطول البحري وبناء السفن الحربية لتعزيز القوة البحرية المصرية.

اعتمد محمد علي على سياسة الاحتكار لضمان سيطرة الدولة على الاقتصاد، وقام بـ:

  • تأميم الأراضي الزراعية وإدارتها بطريقة حديثة لزيادة الإنتاج.
  • السيطرة على التجارة الداخلية والخارجية من خلال فرض الاحتكار الحكومي.
  • تطوير البنية التحتية عبر إنشاء شبكات مواصلات متطورة (طرق، جسور، قنوات ري).
  • رفع العائدات الضريبية لتمويل مشاريعه التنموية والعسكرية.
  • منع الاستثمارات الأجنبية وعدم اللجوء إلى القروض الخارجية للحفاظ على استقلال الاقتصاد المصري.

أدرك محمد علي أهمية التعليم في بناء دولة حديثة، فقام بـ:

  • تأسيس مدارس متخصصة في مختلف العلوم والفنون.
  • إرسال بعثات طلابية إلى أوروبا لاكتساب العلوم الحديثة.
  • تشجيع الترجمة من اللغات الأوروبية إلى العربية، مما ساهم في ظهور حركة فكرية وثقافية مهمة في مصر.

ورغم هذه الإصلاحات، إلا أن الدولة فرضت نظام السخرة الذي أجبر الفلاحين والعمال على العمل القسري في المشاريع العامة، كما فرضت ضرائب باهظة أثقلت كاهل الشعب.

سعى محمد علي إلى توسيع نفوذه خارج مصر، فقام بعدة حملات عسكرية، أبرزها:

  • السيطرة على السودان لتعزيز الموارد الاقتصادية.
  • الاستيلاء على الحجاز وبلاد الشام، مما جعله يهدد النفوذ العثماني.
  • حملته على اليونان بأمر من السلطان العثماني، لكنها فشلت بسبب التدخل الأوروبي (بريطانيا، فرنسا، روسيا).
  • محاولة التوسع في الأناضول لكنه اصطدم بالقوى الأوروبية التي رأت في صعوده خطرًا على توازن القوى في المنطقة.

مع تزايد قوة محمد علي، رأت الدول الأوروبية أنه يشكل خطرًا على التوازن الإقليمي، فتدخلت لإضعافه.

  • وقعت مصر تحت ضغط التحالف الأوروبي (بريطانيا، فرنسا، روسيا، النمسا)، الذي أجبر محمد علي على القبول بمعاهدة لندن سنة 1840م، والتي نصت على:
    • إجبار مصر على الانسحاب من الحجاز وبلاد الشام والسودان.
    • إعلان تبعيتها للدولة العثمانية وإلغاء أي طموح استقلالي.
    • تخفيض عدد الجيش المصري ليبقى محدودًا.
    • إلغاء نظام الاحتكار الاقتصادي، مما أفقد مصر سيطرتها على مواردها.

بالإضافة إلى التدخل الأوروبي، واجه محمد علي صعوبات داخلية، منها:

  • الاستياء الشعبي بسبب الضرائب الباهظة ونظام السخرة.
  • تراجع الاقتصاد المصري بعد إلغاء الاحتكار وتزايد التبعية للسوق الأوروبية.
  • الضعف السياسي والإداري بعد انسحاب محمد علي من المشهد السياسي في أواخر حياته.

       رغم الجهود الكبيرة التي بذلها محمد علي في تطوير مصر وجعلها دولة حديثة ومستقلة، إلا أن التدخل الأوروبي والضغوط العثمانية والداخلية أدت إلى فشل مشروعه. ومع ذلك، فقد ترك إرثًا مهمًا في مجال التعليم والتنظيم العسكري والإداري، وكان حجر الأساس للنهضة الفكرية التي شهدتها مصر والمشرق العربي في القرن 19م.

لتحميل درس المحاولة المصرية لإقامة دولة مستقلة وحديثة وعوامل إجهاضها اضغط على الرابط في الأسفل:

زر الذهاب إلى الأعلى