الإيمان وعمارة الأرض

الأولى باكالوريا

التربية الإسلامية

الإيمان وعمارة الأرض

في نقاش دار بين زميلين حول موضوع عمارة الأرض ودور الإنسان في تحقيقها، عبّر محمد عن رأيه قائلاً: “إن الإسلام يقدم نموذجًا متكاملاً لعمارة الأرض، من خلال رؤية تنبني على التوحيد والإيمان بالله، وتربط بين الروح والمادة، وبين الدنيا والآخرة.”
بينما اعترض سعد قائلاً: “إن الحضارة الغربية بما بلغته من تقدم علمي وتقني، وقدرتها على تسخير الطبيعة لصالح الإنسان، هي التي تمثل اليوم النموذج المثالي لعمارة الأرض.”
فأثير التساؤل التالي: أي النموذجين يمثل الرؤية الأصح لعمارة الأرض؟ وهل التقدم المادي وحده كافٍ لتحقيق هذه العمارة؟

قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى:

﴿قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ ۝ وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاء نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَن نَّشَاء وَلاَ نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ ۝ وَلَأَجْرُ الآخِرَةِ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ﴾.

 [سورة يوسف، الآيات: 55 – 56 – 57]

قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى:

﴿قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَبًا فَمَا حَصَدتُّمْ فَذَرُوهُ فِي سُنبُلِهِ إِلاَّ قَلِيلاً مِّمَّا تَأْكُلُونَ﴾.

 [سورة يوسف، الآية: 47]

قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى:

﴿وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُّجِيبٌ﴾.

 [سورة هود، الآية: 61]

هي سورة مكية ما عدا الآيات 12، 17، و114 فهي مدنية، وعدد آياتها 123 آية. تحتل المرتبة 11 في ترتيب المصحف الشريف، وقد نزلت بعد سورة يونس. سُميت بهذا الاسم نسبة إلى نبي الله هود عليه السلام.
تدور محاور السورة حول العقيدة الإسلامية، وتعرض قصص مجموعة من الأنبياء، ومنهم نوح وهود وصالح ولوط وشعيب وموسى، لتثبيت قلب النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وتقديم نماذج للثبات والصبر في مواجهة الأذى.

  1. تمكين الله تعالى ليوسف عليه السلام في أرض مصر دليل على دوره في عمارتها بالعدل والعلم والتدبير.
  2. نموذج يوسف عليه السلام في التخزين والتخطيط الزراعي يمثل صورة من صور الإعمار الاقتصادي للأرض.
  3. دعوة صالح عليه السلام قومه إلى عبادة الله وتذكيرهم بأنهم مستخلفون في الأرض لإعمارها لا لإفسادها.

إن الله تعالى جعل الإنسان خليفة له في الأرض، وخصّه بهذه المهمة من بين سائر المخلوقات، ليكون مسؤولًا عن إعمارها، ونشر الخير فيها، ودرء الفساد عنها، وذلك من خلال الالتزام بمنهجه، وتحقيق العدل والإحسان.

قال الله تعالى:

﴿هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا﴾
أي خلقكم من الأرض وجعلكم مسؤولين عن عمرانها بالخير.

القرآن الكريم شدد على ضرورة تجنب كل صور الإفساد، لأن مهمة الإنسان في الأرض هي الإصلاح، لا الإفساد، قال تعالى:

﴿وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا﴾
وقال أيضًا:
﴿وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الأَرْضِ﴾

المؤمن يتحمل أمانة الاستخلاف في الأرض، وهذا يقتضي منه الإيمان والعمل الصالح، وليس الاكتفاء بالقدرة التقنية والمادية.
قال الله تعالى:

﴿هُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ فِي الْأَرْضِ﴾
أي خلفاء عن الله في الإصلاح والبناء لا في الفساد والتدمير.

نجد في قصة يوسف عليه السلام مثالًا يُحتذى به، حيث خطط لتدبير محكم للأزمات، واهتم بالجانب الاقتصادي والزراعي لتفادي المجاعة، قال تعالى:

﴿قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَبًا﴾
فهذا دليل على أن عمارة الأرض تتطلب تخطيطًا ورؤية وتدبيرًا مبنيًا على الإيمان والعقل معًا.

من سنن الله في الكون، أنه يهيئ الأرض للمؤمنين الصالحين، ويمنحهم التمكين متى تحققت فيهم شروط الإيمان والعمل الصالح، قال الله تعالى:

﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ﴾
وكما قال تعالى في قصة بني إسرائيل:
﴿وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ﴾

من خلال مبدأ الاستخلاف، يقدم الإسلام تصورًا متكاملًا لعمارة الأرض، يجمع بين التقدم المادي والقيم الأخلاقية والروحية. فليست الحضارة بتطورها التقني وحده هي المقياس، بل بمدى التزامها بالإصلاح والعدالة. فالمؤمن مسؤول عن إصلاح الأرض وتنميتها بما يحقق الخير للناس، ويقربه من ربه.

لتحميل درس الإيمان وعمارة الأرض للسنة الأولى باكالوريا اضغط على الرابط في الأسفل:

Exit mobile version